الموت

"هذه الأقوال تنطبق على الذين عاشوا حياة طبيعية نظيفة، يحبون للناس ما يحبون لأنفسهم، لا يؤذون غيرهم ولا يسلبونهم حقوقهم. فالموت بالنسبة لهؤلاء الطيبين هو بمثابة ثواب كريم من الرحمن الرحيم حيث لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. أما أصحاب الصنف الآخر فينطبق عليهم بيت للخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان الذي قال عندما شعر بدنو أجله:

هو الموتُ لا منجىً من الموتِ والذي
نحاذرُ بعدَ الموتِ أدهى وأفظعُ!


الموت هو عنصر متمم للحياة. فالإنسان لا يعيش كي يموت، بل يموت ليحيا.

هذا العالم هو عالم الموت والفناء. أما العالم الآخر فهو بحق عالم الحياة والبقاء.

يخشى الناس الموت كما لو كان أسوأ شر في الوجود. ولكن من يدري، فلعله أعظم خير في الوجود؟!

نحن ندعو مغادرة هذا العالم موتاً. ولكن عندما نغادره ونتذوق نعيم العالم الآخر الذي يفوق الوصف، فإن قـُدر لنا العودة ثانية إلى التجسد الأرضي ستبدو لنا آنذاك تلك العودة موتاً مقارنة بمباهج السماء التي لا تعرف أرض الأحزان عنها شيئاً.



الحياة الفاضلة على هذه الأرض هي أفضل تحضير للحياة القادمة.

أيجوز أن يكون الموت شراً وقد رتبته العناية الإلهية وجعلته ضرورة طبيعية لكل الناس؟

نعرف الموت أول ما نعرفه عندما يضع يده على أحد أحبائنا.

الموت بالنسبة للإنسان الطيب هو انطلاق من غرفة ضيقة ونفق مظلم إلى دنيا رحبة تشع بالأنوار وتتألق بالمباهج والمسرات السماوية التي لا حد لها ولا انتهاء.

الموت بالنسبة للطيبين ليس دفعاً لدين مستحق بل استثمار على شكل ودائع ذهبية مودعة باسمهم في بنك الله حيث لا يحق لسواهم التصرف بها. فالإنسان الذي يترك جسماً متداعياً متهدماً يحصل مقابله من أمين الصندوق الإلهي على حرية ونصر ومعرفة وفرح يفوق حد الوصف.

ننظر إلى الموت على أنه قادم ليفني ويمحق. ولكن لماذا لا نعتبره رسولاً آتياً من عند الله لكي ينقلنا من وادي الأحزان إلى فردوس الأمان؟

ننظر إلى الموت على أنه النهاية، ولكن لماذا لا نعتبره بداية مقدسة لما هو أنقى وأبقى؟

ننظر إلى الموت على أنه خسارة، ولكن لماذا لا نعتبره مكسباً للنفس المفارقة التي أضنتها هموم العيش وهي بأمس الحاجة إلى الخلود للراحة وراحة الخلود؟

ننظر إلى الموت على أنه وداع لا لقاء بعده، ولكن لماذا لا نعتبره لقاء مع من سبقونا وما زالوا عند ربهم يرزقون؟

فعندما يهمس الموت "حان موعد مغادرة الأرض" لنسمع صوت الله قائلا في تلك اللحظة "ها قد عدتَ إليّ والعودُ أحمد"!

يجب أن لا نخشى الموت لأنه خلاص من متاعب الدنيا حيث تجديد الطاقات وتوسيع المدركات إلى ما لا انتهاء. وهذا الانتقال إلى المرحلة التالية من الوجود هو بمثابة العافية للمريض والعودة إلى الديار للبعيد الغريب، أو كعودة يوسف إلى أبيه يعقوب.

مع اقترابنا من تلك اللحظات الأخيرة تتيقظ قوى النفس فينا ونمتلئ بهجة واستبشاراً بما هو جليل وعظيم. إنه الفجر الإلهي الذي يبزغ في السماء. وما مخاوفنا سوى فزع الأطفال من الظلام، لكن الأنوار في الانتظار بعد نهاية المشوار.

إن الله يخفي أفراح الموت عن البشر كي يعملوا بجد واجتهاد هنا ويتحملوا أعباء الحياة دون تذمر واستياء.

هل صحيح أن الموت هو النوم الأخير؟ لا، بل هو اليقظة الأخيرة!

عندما كان كولن على وشك مفارقة الجسد سمعه من حوله يهمس بصوت خفيض: "يا ليت لي القدرة على الكتابة أو الكلام لأخبركم كم هو رائع الإنتقال من هذه الدنيا إلى العالم الآخر."

الموت هو حرية المأسور وشفاء المريض وتعزية من لا عزاء له.

من يتذكر الموت لا يفكر أفكاراً وضيعة ولا يحسد أحداً على ما عنده.

أفضل درع مقاوم لسلاح الموت هو الأفكار النقية والانهماك الدائم بالأعمال الطيبة.

من يتفكر في الله في قلبه ويتأمله في عقله هو دائماً على أهبة الاستعداد للانتقال من هنا إلى هناك. وعندما تحين لحظة الوداع لا يرتبك ولا يكون في عجلة من أمره.

غالباً ما نهنئ أنفسنا عند اليقظة من حلم مريع. ومن يدري، فقد نفعل نفس الشيء عند الانتقال من أرض الأحلام هذه إلى أرض اليقظة الأبدية!

الموت والمحبة هما الجناحان اللذان يرفعا الإنسان الطيب إلى السماء.

كل صديق مفارق هو مغناطيس يجذبنا إلى العالم الآخر.

الموت ترح ووحشة للأشرار وفرح وبهجة للأخيار.

الموت هو سقوط الزهرة كي تنمو الثمرة.

يجب أن لا نودع الطيبين بالنحيب والعويل بل بالتراتيل والترانيم، لإن فراقهم لأهل الدنيا يعني لقاءهم بسكان الفردوس.

وليس آخراً يخبرنا حكيمنا المحبوب سقراط بأن الإنسان الصالح هو بمأمن من الشرور سواء على الأرض أو في السماء.


تلك كانت بعض أقوال الفلاسفة والمفكرين وعلماء الروح عن الموت.. فطول الله أعماركم وعظم أجركم في الدارين والسلام عليكم.

المصدر: موسوعة الأقوال والأفكار
المقدمة والترجمة: محمود مسعود